Logo Logo
مشروع قانون المالية لسنة 2026.. بين الانضباط الميزانياتي ودعم الاستثمار

يندرج مشروع قانون المالية لسنة 2026 في إطار مواصلة نهج يروم التوفيق بين الانضباط الميزانياتي ودعم الاستثمار.

ويجسد مشروع هذا القانون، الذي تم تقديمه في سياق عالمي يشهد العديد من التحولات، إرادة الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية، مع تسريع الإصلاحات الهيكلية والاجتماعية التي تم الانخراط فيها بتوجيهات ملكية سامية.

وبذلك، يراهن المشروع على تعزيز الاستثمار العمومي وتقوية البرامج الاجتماعية، في إطار تدبير صارم للميزانية بهدف احتواء العجز وكلفة الدين.

وبموارد تقدر بـ712,6 مليار درهم ونفقات تبلغ 761,3 مليار درهم، يظهر أن الميزانية العامة للدولة لسنة 2026 ستسجل عجزا متوقعا في حدود 3 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي، مقابل 3,5 بالمائة سنة 2025.

وفي هذا السياق، يرتكز مشروع قانون المالية لسنة 2026 على فرضيات ماكرو اقتصادية مدروسة، تتمثل في نمو بنسبة 4,5 بالمائة، وتضخم لا يتجاوز 2 بالمائة، وسعر برميل نفط "برنت" في حدود 65 دولارا، وسعر صرف يبلغ 10,007 درهم للدولار الواحد، وهي توقعات تعكس توجها نحو الاستقرار في ظل بيئة دولية تتسم بعدم اليقين الجيوسياسي.

الانضباط الميزانياتي والعدالة الاجتماعية في صلب مشروع قانون المالية 2026

ترتكز ميزانية سنة 2026 على أربع أولويات أساسية، هي تعزيز إقلاع المملكة، والتوازن بين التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والمجالية، وتوطيد أسس الدولة الاجتماعية وتسريع الإصلاحات الهيكلية الكبرى، فضلا عن الحفاظ على توازن المالية العمومية.

وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أكد الخبير الاقتصادي والمتخصص في السياسات العمومية، عبد الغني يومني، أن هذا المشروع يشكل تمرينا على التوازن بين الصرامة الميزانياتية والعدالة الاجتماعية، مسجلا أن "مشروع قانون المالية لسنة 2026 يتجاوز كونه أداة لحكامة السياسات العمومية ليصبح وسيلة للتوجيه الاستراتيجي".

وبالتالي، يمثل هذا المشروع استمرارية للنهج الحكومي القائم على الجمع بين الصرامة المالية وتسريع وتيرة الإصلاحات ذات الأثر الاجتماعي القوي.

وفي هذا الإطار، تم تعزيز الشق الاجتماعي في الميزانية، من خلال تخصيص غلاف مالي إجمالي قدره 140 مليار درهم لقطاعي الصحة والتربية الوطنية، أي بزيادة قدرها 21 مليار درهم مقارنة بسنة 2025، مع إحداث أكثر من 27 ألف منصب مالي جديد في القطاعين.

العجز، الدين والنمو: ثلاثية التوازن المالي

في سياق يتسم بتباطؤ الطلب العالمي والضغط على المالية العمومية، اعتبر السيد يومني أن الهدف المتمثل في خفض العجز إلى 3 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2026 يظل "طموحا".

ولتحقيق هذا الهدف، قد تضطر الحكومة إلى تكثيف لجوئها إلى الدين الخارجي عبر الإصدارات السيادية أو القروض متعددة الأطراف، وأوضح أن هذا الخيار، رغم أنه يمكن من الحفاظ على الاستقرار الميزانياتي على المدى القصير، إلا أنه يزيد من الهشاشة تجاه تغيرات أسعار الفائدة والصرف.

علاوة على ذلك، أشار الخبير إلى أن الدين العمومي يبلغ اليوم حوالي 70 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، بينما يقترب الدين الخارجي من 30,2 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي الاسمي، وهو مستوى يتعين مراقبته.

وأضاف السيد يومني أن مشروع قانون المالية للسنة المقبلة يرتكز على نمو بنسبة 4,5 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي، أي ما يقارب 87 مليار درهم من الثروة الإضافية بالنسبة لناتج داخلي إجمالي مقدر ب 1.940 مليار درهم، موضحا أنه إذا تحققت دينامية النمو هذه، يمكن أن تعوض جزئيا الاختلال الميزانياتي، غير أن استدامة المسار تبقى رهينة بإصلاحات ضريبية وإنتاجية أكثر طموحا مع تنويع مصادر التمويل.

كما اعتبر أن مشروع قانون المالية يعكس التوازنات الاقتصادية لأي سياسة عمومية حديثة، أي التوفيق بين الاستقرار الميزانياتي، ودعم الاستثمار، والعدالة الاجتماعية.
وأوضح أن تمويل الدولة الاجتماعية لا يجب أن يعتمد على الاقتراض، بل ينبغي توجيهه نحو البحث والابتكار وتعزيز الجاذبية الصناعية.
وفي هذا الإطار، أبرز الخبير الاقتصادي أن المغرب تمكن من الحفاظ على الطابع الإنتاجي لمديونيته من خلال توجيهها نحو تمويل البنى التحتية وتعزيز التنافسية على المدى الطويل، بدلا من تمويل نفقات استهلاكية ذات أثر مؤقت لكنه محدود.

كما اعتبر أن المغرب قادر على الحفاظ على حجم استثمار عمومي إجمالي يقدر بـ380 مليار درهم خلال السنة المقبلة، مع ضمان الاستدامة المالية، بفضل مزيج متوازن بين النمو والجبايات ونجاعة الإنفاق العمومي.

وشدد السيد يومني على أن تعزيز مالية الدولة لا يمر عبر تقليص النفقات بشكل آلي، بل عبر نظام ضريبي أكثر عدلا واتساعا، قادر على دعم الإنتاج الوطني وتشجيع الاستثمار المنتج. وأضاف أن الطلب العمومي، المدعوم بهذا المجهود الاستثماري، سيعمل كمحفز لخلق فرص الشغل والقيمة المضافة، لاسيما في إطار الأوراش الكبرى المرتبطة بتنظيم كأس العالم 2030، معتبرا أن هذه الرافعة ستعزز التفاعل بين الاستثمار العمومي والخاص، وتحول النظام الجبائي إلى محرك للتنافسية وإعادة التوزيع، في خدمة التشغيل والنمو والتماسك المجالي.

كما أشار السيد يومني إلى أن تعميم الحماية الاجتماعية يمثل منعطفا تاريخيا، لكنه يتطلب، مثل باقي الإصلاحات الهيكلية الكبرى، نموا مستداما لضمان تمويله، موضحا أن الاستدامة الميزانياتية ستعتمد على نمو الاقتصاد بما يفوق على الأقل 1,5 إلى 2 مرة نمو النفقات الاجتماعية.

وتمر هذه الدينامية عبر بذل جهد مزدوج يشمل الخفض الملموس لمعدل البطالة لتوسيع وعاء الاشتراكات الاجتماعية وتدعيم الإيرادات الضريبية، لا سيما من خلال الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات.

وخلص الخبير إلى أن الاقتصاد القادر على خلق الثروة وفرص الشغل هو الوحيد القادر على دعم دولة اجتماعية قوية، من خلال تجنب نموذج يعتمد فيه تمويل الخدمات الاجتماعية على الاقتراض بدلا من الإنتاج الوطني.

وبذلك، يكرس مشروع قانون المالية لسنة 2026 السعي إلى تحقيق توازن مستدام بين الصرامة الميزانياتية والنمو الشامل واستدامة النموذج الاجتماعي، مؤكدا إرادة المملكة للتوفيق بين الاستقرار المالي والعدالة الاجتماعية والاستثمار المنتج، في خدمة اقتصاد قادر على الصمود وخلق القيمة.

ومع:  10 نونبر 2025