خطب صاحب الجلالة

صاحب الجلالة الملك محمد السادس يوجه نداء ساميا إلى الشعب المغربي بمناسبة انطلاق حملة السنة الدولية لثقافة السلام

بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه
شعبي العزيز،
حضرات السيدات والسادة،
كم يثلج صدرنا أن تنطلق في هذا اليوم الأغر حملة السنة الدولية لثقافة السلام من مدينة وجدة على الحدود الشرقية لمملكتنا. ومدينة وجدة قمينة بهذا التشريف ليس فحسب لأن جامعتنا حظيت بكرسي سيكون منبرا عالميا للدراسات والبحوث المتعلقة بالسلام، ولكن أيضا لما جسدته وتجسده من روح الكفاح والجهاد من أجل الحق الذي هو أساس السلام.
ويكفي أن نذكر هنا انتفاضة 16 غشت 1953 ومشاعر الوطنية الحقة التي واجهت بها مدينة وجدة المجاهدة الاستعمار آنذاك كما سبق أن اختارها جدنا محمد الخامس قدس الله روحه ليوجه منها باسم الضمير العالمي نداءه العالمي لتعميم نعمة الاستقلال على جميع أقطار المغرب العربي وشعوبه وضمان الوئام والسلام والانسجام بين بلداننا وبينها وبين باقي دول العالم.
ويسرنا سرورا عظيما أن تساهم المملكة المغربية اليوم في هذه التظاهرة الدولية التي تنطلق بها حملة ثقافة السلام وما يواكبها من الأنشطة والأعمال. لذا، فإننا نهيب بكافة مكونات المجتمع المغربي لتقوم بدور مثالي فعال يجعل من انطلاقة السنة الدولية لثقافة السلام حدثا جديرا بالأهداف التي عبر عنها ميثاق الأمم المتحدة بشأن العزم على "إنقاذ الأجيال القادمة من آفات الحرب" وعملا خلقيا بقيمنا الروحية العالية وبتقاليدنا الوطنية النبيلة وباهتمام المغرب المستمر باستتباب الأمن والسلام سواء في ربوعه أو في باقي أطراف المعمور.
شعبي العزيز
إنك تعلم أن تشبثنا بالسلام في أبعاده التربوية والأخلاقية والتشريعية والسياسية متجذر في عقلنا ووجداننا لما له من علاقة وطيدة بديننا الإسلامي الكريم الداعي إلى التسامح والاعتدال والتعايش والتحاور والتضامن والتكامل، وكفى الإسلام فخرا أنه جعل من السلام تحيته وشعاره، إذ قال جل من قائل "وتحيتهم فيها سلام" فكان السلام واجبا عند اللقاء تكريما وتعميما للأمان ومبادرة إلى التعارف الذي هو سبيل إلى الأخوة البشرية وظاهرة من ظواهرها الإيجابية الأساسية.
وكما تعلم شعبي العزيز، فإن المغرب كان دائم التشبث بقيم الحرية والكرامة والشورى ومدركا للعلاقة الحتمية بين استتباب السلم والمناخ الديمقراطي الملائم للنماء الاقتصادي المستديم ومعتنقا كل ما من شأنه أن ينهي أسباب التنافر والجفاء ويعين على تحسين التواصل وتعزيز دعائم السلم والوئام، فإننا في ذلك أوفياء لتاريخنا وتقاليدنا العريقة. ويكفي أن نشير في هذا المجال إلى اهتداء جلالة والدنا المنعم الحسن الثاني - أسكنه الله فسيح جنته- إلى فكرة المسيرة الخضراء وتنظيمها في أمن وآمان ثم العمل على وحدة الأمة المغربية في كنف وطن غفور رحيم كما ساهم رحمه الله طيلة حياته في المجهود الدولي من أجل السلام داعيا له وسعيا إليه ومخاطبا كل الأطراف المتنازعة وعاملا على تقريب وجهات نظرها وعيا من جلالته – طيب الله ثراه وأحسن مثواه- بأن الحروب تفضي لا محالة إلى السلم والنزاعات إلى التصالح والتقارب وإصلاح ذات البين على أساس التعقل والتفاهم والاعتدال.
والمغرب بحكم موقعه الجغرافي الذي يجعل منه ملتقى الطرق والقارات والعقائد والثقافات وانتسابه الحضاري المتمثل في جذوره الإفريقية وفي انتماءاته المغاربية والعربية وعلاقاته المتوسطية عليه أن يجعل من السنة الدولية لثقافة السلام مناسبة للتركيز على قيم السلم والتضامن والتعايش والتفاهم في صلب ثقافتنا وتوعية الجميع بأصولها والعمل على تعزيز تلك القيم وترسيخها حاضرا ومستقبلا وذلكم هو التوجه الصحيح الذي ينبغي أن تقوم عليه خطة العمل التي يتبناها المغرب اليوم حتى تتخذ مساعدته في تخليد السنة الدولية لثقافة السلام معناها العميق وأثرها المجدي الجدير بالإسلام الحق ومقاصد شريعته السمحة والكفيل ببناء حصون السلام في عقول البشر وقلوبهم.
أبقى الله عليك شعبي العزيز أردية الرضى والسلام والكرامة وأدام عليك نعمة الفضيلة والاستقامة وأبقاك على جادة العمل بآية كتابه العزيز "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم". صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وتعالى وبركاته.