جواب رئيس الحكومة بخصوص وقف تنفيذ 15 مليار درهم من نفقات الاستثمار العمومي

جواب السيد رئيس الحكومة عن السؤال المتعلق بموضوع الآثار المباشرة وغير المباشرة لقرار وقف تنفيذ 15 مليار درهم من نفقات الاستثمار العمومي برسم سنة 2013 على العالم القروي بصفة خاصة
بسم الله الرحمان الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
السيد رئيس مجلس النواب المحترم، السيدات والسادة النواب المحترمين،
بداية، أشكر السيدات والسادة النواب المحترمين لطرحهم هذا السؤال الذي يثير جانبا مهما من تدبير المالية العمومية ويشكل مناسبة للتواصل مع عموم المواطنين عبر مجلسكم الموقر حول دواعي وأثر القرار الذي اتخذته الحكومة والقاضي بوقف تنفيذ 15 مليار درهم من ميزانية الاستثمار .
واسمحوا لي بأن أذكر ببعض المفاهيم الأساسية التي تعرفونها جيدا، لتقريب عموم المواطنين الذين يتابعون هذه الجلسة الدستورية من هذا الموضوع الذي يمس في العمق مختلف السياسات العامة، وبالتالي المعيش اليومي للمواطن.
السيد رئيس مجلس النواب المحترم، السيدات والسادة النواب المحترمين،
كما تعلمون فإن الميزانية العامة للدولة تتكون من قسمين، الموارد والنفقات. وتتكون الموارد أساسا من مداخيل الضرائب والرسوم، بالإضافة إلى عائدات المؤسسات العمومية والاستغلالات والمساهمات المالية للدولة وعائدات أملاكها وموارد أخرى. أما النفقات، فتنقسم إلى شقين: نفقات التسيير التي تخصص أساسا لأداء أجور الموظفين والمعدات وخدمة الدين العمومي من جهة ونفقات الاستثمار من جهة أخرى وتخصص أساسا لانجاز البنيات التحتية من طرق وسدود ومدارس ومستشفيات وغيرها.
والميزانية العامة للدولة لا تشمل ميزانيات الجماعات المحلية وميزانيات المؤسسات العمومية.
والدولة مثل الأسرة ملزمة بالعمل على تحقيق التوازن بين المداخيل والنفقات للحفاظ على استقرارها، وإذا فاقت النفقات الموارد يتم اللجوء إلى الاقتراض داخليا أو خارجيا، وفي حالة تفاقم الديون وعجز الدولة عن تسديدها، فإنها تسقط تحت إملاءات المؤسسات المالية الدولية وشروطها لاستعادة توازنها.
وبالأرقام، فإن الدولة خصصت مبلغ 59 مليار برسم نفقات استثمار الميزانية العامة برسم 2013. أما مجموع اعتمادات الاستثمار العمومي بمختلف مكوناته، أي باحتساب استثمارات المؤسسات العمومية والجماعات المحلية، فقد بلغت 180 مليار درهم.
ويتم إعداد الميزانية العامة وتقدير مختلف مكوناتها كل سنة بناء على مجموعة من الفرضيات، تتعلق أساسا بنسبة عجز الميزانية (4.8% من الناتج الداخلي الخام) ونسبة النمو (4.5%) ومتوسط سعر صرف الدولار (8.5) وسعر البترول (105 دولار للبرميل) ، وكل تغيير معتبر في إحدى هذه الفرضيات يؤثر على بنية الميزانية.
والموارد المنصوص عليها في قانون المالية هي توقعات لما سيتم تحصله من الأموال خلال السنة المالية فيما النفقات تعتبر حدا أقصى لا يمكن تجاوزه. وعجز الميزانية يحتسب على أساس الفارق بين الموارد المحصلة فعلا والنفقات المؤداة فعلا لا على أساس الاعتمادات المبرمجة. وبالنسبة لنفقات الاستثمار، يتم صرفها بتزامن مع تقدم إنجاز المشاريع الاستثمارية. وقد يحصل أن لا يستكمل مشروع ما في نفس السنة فيتم تحويل الاعتمادات المخصصة له إلى السنة الموالية، وهو ما يسمى باعتمادات الاستثمار المرحلة.
* المحور الأول: شرح ماهية هذا الإجراء والأسباب التي أدت إلى اتخاذه
السيد رئيس مجلس النواب المحترم، السيدات والسادة النواب المحترمين،
لماذا تم اتخاذ إجراء وقف 15 مليار درهم من نفقات الاستثمار؟
في البداية لا بد أن نشير إلى أن هذا القرار لا يشكل إجراء غير مسبوق. إذ أن الحكومات السابقة كانت تلجأ عند الضرورة إلى إجراءات إدارية تؤدي إلى نفس الغاية (تأخير أو وقف تنفيذ بعض نفقات الاستثمار) دون الحاجة إلى مسطرة محددة. وكان يمكن اتباع نفس النهج، غير أن حرصنا على تكريس الشفافية في تدبير المالية العمومية جعلنا نسلك طريقة اتخاذ القرار بمرسوم حتى تكون المؤسسة التشريعية والمواطن والمقاولة على علم بهذا الإجراء وبالأسباب والظروف التي أدت اليه، يقينا منا بأن الحكامة الجيدة والديمقراطية تتأسس على الشفافية والثقة والمصداقية.
لذلك، أقدمت الحكومة على تفعيل أحكام المادة 45 من القانون التنظيمي لقانون المالية التي تنص على أنه "يجوز للحكومة أثناء السنة المالية وقف تنفيذ بعض نفقات الاستثمار إذا استلزمت ذلك الظروف الاقتصادية والمالية ويتم إخبار اللجن المختصة في البرلمان"، وبذلك فهو إجراء مؤسس قانونيا.
أما بخصوص دواعي اتخاذ هذا القرار فقد أملته ضرورة ضبط توازن المالية العمومية التي عرفت وضعيتها تدهورا خلال السنوات الأخيرة بفعل تزامن عدة عوامل منها الأزمة الاقتصادية العالمية والسياسات المالية التوسعية التي انتهجتها الحكومة منذ 2008 لمواجهتها عن طريق دعم الطلب الداخلي. ونتيجة لتضافر هذه العوامل، أنهينا 2011 بعجز 6.1% في الوقت الذي توقعت الحكومة السابقة هذا العجز في 3.5% وسنة 2012 ازداد ليصل 7,1 % من الناتج الداخلي الخام.
وحيث إن الحكومة تعهدت في برنامجها باستعادة التحكم في التوازنات المالية الكبرى ودعم النمو والتشغيل فقد التزمت بتقليص العجز تدريجيا للوصل إلى هدف 3 % بحلول 2016. وعلى هذا الأساس تم تحديد نسبة العجز لسنة 2013 في 4.8%.
ومن جهة أخرى فإن التزايد المهم الذي عرفته الاستثمارات العمومية خلال السنوات الأخيرة أدى إلى تزايد حجم الاعتمادات المرحلة ومعه صعوبة توقع نسبة انجاز النفقات المرتبطة بها خلال السنة المالية، إذ انتقل حجمها ما بين 2008 و2013 من 11 إلى 21 مليار درهم.
وقد عرف الربع الأول لسنة 2013 معطيين جديدين أساسيين، الأول هو تسارع وتيرة النفقات والثاني تناقص الموارد. وعلى سبيل المثال، ارتفع حجم النفقات المؤداة فعليا برسم الاستثمار ب 4 مليار درهم، في حين تراجعت موارد الضريبة على الشركات ب 3.3 مليار درهم. وعلى ضوء هذه المعطيات وكذا تطورات الظرفية الاقتصادية الدولية، فإن العجز سيصل إلى 8 في المائة إذا لم يتخذ أي إجراء.
لذلك، كان لا بد من اتخاذ إجراءات استعجالية للتحكم في النفقات، زيادة على التدابير التي تم اتخاذها بمناسبة إعداد قانون المالية والتي همت ترشيد نفقات التسيير. وبما أن الحكومة اختارت تنفيذ ما سبق الالتزام به في إطار الحوار الاجتماعي وعدم المساس بالأجور التي ستكلف 100 مليار درهم من الميزانية العامة لسنة 2013، فإننا اضطررنا إلى وقف جزء من نفقات الاستثمار المعتمدة.
** المحور الثاني: تحليل الآثار المترتبة أو المحتملة لهذا الإجراء
أ. آثار هذا القرار بصفة عامة على الاقتصاد الوطني:
للأسف، فقد أثيرت مغالطات كثيرة حول هذا الإجراء وتداعياته على المقاولة والاقتصاد الوطني، والحال أن الأمر يتعلق بوقف 8% من نفقات الاستثمار العمومي الإجمالي، وهو قرار أملته عوامل موضوعية وتحكمت فيه مراعاة المصلحة الوطنية وصيانة سيادة القرار الاقتصادي الوطني.
ومهما يكن، فإن هذا القرار لا يستهدف الاستثمارات والمشاريع الجاري تنفيذها ولا حتى المشاريع التي لم تنطلق بعد وتكتسي طابع الأولوية. كما أن هذا الإجراء يعني الميزانية العامة للدولة، ولا يمس المؤسسات العمومية والجماعات المحلية.
بل أكثر من ذلك، فإن الحكومة عملت على تسريع وتيرة تنفيذ استثمارات المؤسسات العمومية، من خلال الحرص على انتظام عقد مجالسها الإدارية والمصادقة على ميزانياتها في الآجال المحددة، مما جعل نسبة إنجاز استثماراتها تعرف تحسناً في سنة 2013 حيث بلغت هذه النسبة حوالي 17% نهاية مارس 2013 مقابل 13% في نفس الفترة من سنة 2012.
وفيما يخص تأثير هذا الإجراء على المقاولة الوطنية، فإن تسارع وتيرة تنفيذ النفقات العمومية المشار إليها سابقا وازن إلى حد كبير مفعول قرار وقف تنفيذ 15 مليار برسم اعتمادات الاستثمار. كما أن الحكومة تتخذ التدابير اللازمة للوفاء بالتزاماتها وتعهداتها في هذا الشأن من خلال التسديد المنتظم للمستحقات المترتبة عليها.
ب. الآثار المحتملة لهذا الاجراء على العالم القروي:
السيد رئيس مجلس النواب المحترم، السيدات والسادة النواب المحترمين،
فيما يخص العالم القروي، لا بد من الإشارة إلى أن الاقتصاد القروي عرف تحسنا ملحوظا خلال هذه السنة مقارنة مع السنة الماضية بفضل جودة المحاصيل التي ستمكن من تحسين الدخل الفردي للفلاحين وارتفاع القيمة المضافة لهذا القطاع على مستوى الناتج الداخلي الخام، وذلك بسبب أمطار الخير التي أنعم الله بها على بلادنا فله الحمد وله الشكر.
أما على مستوى انجاز الاستثمار العمومي بالمناطق القروية، فإن أثر هذا القرار سيكون محدودا جدا، لاعتبارات منها تلك التي أشرنا إليها آنفا، من حيث كون القرار لا يهم الجماعات المحلية والمنشآت العمومية.
وفيما يخص اعتمادات الاستثمار المدرجة بالميزانية العامة والمخصصة للعالم القروي فإن وضعيتها كالتالي:
في قطاع الصحة على سبيل المثال فإن حصة الاعتمادات المتعلقة بالعالم القروي التي تم توقيفها تمثل أقل من 10% من أصل 648 مليون درهم التي تم تجميدها في هذا القطاع.
أما في قطاع التجهيز والنقل، فإن حصة العالم القروي من الاعتمادات التي تم وقفها لا تمثل إلا 7,6 % (134 مليون درهم) من أصل 1,7 مليار درهم من الاعتمادات المجمدة، علما بأن هذا المبلغ المجمد قد تم تعويضه كليا في إطار فائض مداخيل الصندوق الخاص بالطرق الذي سجل عند نهاية 2012 مبلغ 1,079مليار درهم.
وفيما يتعلق بقطاع التربية الوطنية، فإن وقف الاعتمادات إقتصر على بعض العمليات التي كان من المقرر إنجازها على المستوى المركزي (نظم المعلومات، إصلاح المباني الإدارية، إلخ) أو بعض العمليات التي كانت مقررة في بعض المدن الكبرى.
وبالنسبة لوزارة الفلاحة والصيد البحري فإن قرار وقف تنفيذ جزء من ميزانية الاستثمار هم على الخصوص ما يلي:
- دفوعات لفائدة صندوق التنمية الفلاحية بمبلغ 295 مليون درهم، لكن لن يكون لها أي تأثير باعتبار أن هذا الصندوق قد حقق فائضا مهما خلال السنة المنصرمة ؛
- الاعتمادات المرصدة لإنجاز عمليات غرس الأشجار المثمرة وتنمية الإنتاج النباتي والحيواني وخلق وحدات لتثمين المنتوجات الفلاحية، باعتماد يبلغ حوالي 350 مليون درهم وهم بالخصوص المشاريع الجديدة التي تعرف بعض الصعوبات في التنفيذ خلال هذه السنة؛
- البرنامج الوطني لاقتصاد مياه الري والبرنامج الوطني لتجهير المناطق الموجودة بسافلة السدود المنجزة أو تلك الموجودة في طور الإنجاز بغلاف مالي يصل إلى 525 مليون درهم.
وبالمقابل، ينبغي التذكير أنه تم رفع ميزانية صندوق التنمية القروية ومناطق الجبال لتصل إلى 1,5 مليار درهم برسم سنة 2013. وقد تم تخصيص 329,5 مليون درهم لمشاريع السقي في المجال القروي و203.8 مليون درهم للفلاحة التضامنية التي تهم صغار الفلاحين، كما سيتم تخصيص 214.2 مليون درهم في إطار حصة الإسكان لدعم مشاريع مندمجة بالعالم القروي، إضافة إلى مشاريع تحت الدراسة ستحضى بتمويل من صندوق التنمية القروية.
بالإضافة إلى هذا، تم برسم سنة 2013 دعم ومواصلة مجموعة من المشاريع الممولة في إطار ميزانيات المؤسسات العمومية أو الحسابات الخصوصية منها مثلا :
- برنامج تعميم التزويد بالماء الصالح للشرب : تم رصد 725 مليون درهم من ميزانية المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب و 150 مليون درهم من الميزانية العامة للدولة.
- البرنامج الوطني الثاني للطرق القروية: تم رصد 504 مليون درهم عن طريق الصندوق الخاص بالطرق، إضافة الى 100 مليون درهم من خلال ميزانية وزارة التجهيز والنقل.
- برنامج الكهربة القروية الشاملة: تم رصد 1,16 مليار درهم لهذا البرنامج تمول في إطار ميزانية المكتب الوطني للكهرباء و الماء الصالح للشرب.
وختاما، أود مجددا التأكيد على أن الحكومة اتخذت هذا القرار مستحضرة آثاره المحتملة على الاقتصاد الوطني، وذلك بهدف الحفاظ على التوازنات الكبرى والمصداقية التي تتمتع بها بلادنا دوليا. كما تم اتخاذ الإجراءات الضرورية لتفادي الانعكاس السلبي لهذا القرار على المشاريع التنموية الجارية أو التي تمت برمجتها وتكتسي طابع الأولوية.
وبالله التوفيق والسلام عليكم.