خطب صاحب الجلالة

الكلمة السامية التي ألقاها صاحب الجلالة الملك محمد السادس بالجرف الأصفر أمام رؤساء غرف التجارة والصناعة ورؤساء المكاتب الوطنية وعدد من الفاعلين الاقتصاديين

الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
حضرات السيدات والسادة
إذا كان بلدنا رائدا في نهج اقتصاد السوق كأنجع سبيل للنمو الاقتصادي، فان عوائق ذاتية مرتبطة بطبيعة المقاولة المغربية وأخرى موضوعية متمثلة في غياب أو ضعف حوافز الاستثمار قد حالت دون اضطلاع القطاع الخاص بالدور المؤمل منه في مجال التنمية الاقتصادية فاتحة المجال أمام شبه قطيعة بين سلطات عمومية معيقة غالبا لحفز الاستثمار وقطاع خاص ذي نزعة ريعية أو انتظارية مناقضة لروح المبادرة الحرة.
وانه ليطيب لنا اليوم أن ناتقي في هذا الجمع المبارك بممثلين عن الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين لنعلن نهاية هذا الواقع وإزالة العوائق الموضوعية التي كان القطاع الخاص يعتبرها سببا في عدم اضطلاعه بدور فاعل في الاقلاع الاقتصادي القوي الذي يتوقف عليه كسبنا لمعرفة التشغيل ومحاربة البطالة التي تشكل محور ما دعونا إليه من جهاد أكبر.
وتهمالدفعة الأولى من الاجراءات التي تستهدف تحسين مناخ الاستثمار وحفزه وخفض كلفة الانتاج التخفيض في سعر الكهرباء الصناعية بنسبة 17 في المائة وتخفيضا مقاربا له بالنسبة للكهرباء الفلاحية مما سيمكن من ضخ أزيد من مليار درهم في القطاعات المنتجة.
سنحقق خلال الثلاث سنوات الأخيرة –أن شاء الله – مبتغانا المتمثل في جعل كلفة الطاقة بالنسبة للمقاولة الوطنية تماثل نظيرتها الدولية وذلك بفعل تخفيض الجبايات المفروضة على الطاقة وفتح السوق المغربية لتقوية الربط بشبكات دولية وتحسين انتاجية مؤسسات هذا القطاع على غرار محطة الجرف الأصفر التي تعد تجربة رائدة في هذا المجال.
وبالنظر لما للنظام الجبائي من دور تحفيزي للاستثمار فإننا قد أصدرنا تعليماتنا السامية لحكومتنا قصد وضع اصلاح جبائي قائم على الشفافية والتبسيط والعقلانية وإعادة النظر في الجبايات المحلية بحيث تكون الغاية المثلى للجبايات تشجيع الاستثمار المنتج الذي يخلق فرص الشغل.
كما أننا نحث حكومتنا على بذل كل أشكال الدعم للمستثمر والاصغاء الدائم لانشغالاته وترسيخ دولة القانون في ميدان الأعمال.
واعتبارا للعناية الخاصة التي نوليها للمقاولات الصغرى والمتوسطة والتي تشكل حوالي 95 في المائة من نسيجنا الاقتصادي الوطني ولدورها الأساسي في تحقيق الاقلاع الاقتصادي والاجتماعي المنشود وخلق فرص الشغل في جميع القطاعات والانشطة عصرية كانت أو تقليدية فاننا ندعوا الحكومة والبرلمان إلى الاسراع باقرار مشروع الميثاق المتعلق بها في أقرب الاجال والتعجيل باصدار النصوص المتعلقة بالجوانب الادارية والعقارية والمالية لميثاق الاستثمارات خاصة في القطاعات الواعدة للسياحة والصناعة التقليدية والتكنولوجيا الجديدة للإعلام والصيد البحري.
وعلاوة على تخفيض كلفة الطاقة والعبء الجبائي وتحسين مناخ الاستثمار وانعاش المقاولات الصغرى والمتوسطة فقد قررنا التصدي لأحد معيقات الاستثمار المتمثلة في ارتفاع كلفة الأراضي وانعدام أو قلة المحلات المجهزة حيث يتولى صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية تهيئ مناطق ومحلات صناعية وسياحية وتفويتها للمستثمرين بأثمنة مناسبة. كما أن صندوق الحسن الثاني سيشرف على تمويل تحفيزية للاستثمار الخاص وانعاشه من خلال دعم قطاع النسيج وبناء 40 ألف سكن ومنشئات عامة وطرق سيارة ومساعدة مؤسسات السلفات الصغيرة لتمكينها من تمويل مائتي ألف قرض لدعم برنامج التشغيل الذاتي.
ويقينا منا بأنه مهما كانت الشروط المادية والمالية والقانونية أساسية في حفز الاستثمار وخلق الاقلاع الاقتصادي المشغل فإنها تظل رهينة بتوفر المناخ الاجتماعي وعلاقات الشغل السليمة والتعاونية والتشاركية فإننا نحث الحكومة والبرلمان على الاسراع باقرار مدونة شغل عصرية مشجعة على الاستثمار والتشغيل .
كما أننا ندعو كافة الشركاء الاجتماعيين إلى إقامة سلم اجتماعي الذي يعد من مقومات الثقة في الاستثمار وحفزه منتظرين منهم الجنوح إلى الحوار المؤسسي والدائم لا الظرفي وتفضيله على غيره من أشكال العمل المطلبي وتبني أشكال حضارية عند الضرورة القصوى للتعبير عن الاحتجاج ونبذ كل الأشكال غير المشروعة لتدبير نزاعات الشغل.
ومثلما دعونا المقاولة المغربية إلى إيثار البعد الاجتماعي لتصبح مقاولة مواطنة اجتماعية فاننا ندعو النقابة المغربية إلى استيعاب ثقافة المقاولة ضمن منظور نقابة مواطنة لا للتضحية بحقوق الطبقة الشغسلة التي تحظى بسابغ عطفنا ورضانا وتقديرنا لدورها الطلائعي في معارك الاستقلالوبناء الاقتصاد الوطني والتي نوليها مكانة الصدارة في سياستنا الاجتماعية بل للاسهام بما هو معهود فيها من جد وتفان في العمل في معركة الجهاد الأكبر الاقتصادية بجهادها السلمي العفيف الذي يضع رفع انتاجية المقاولة وتحديثها وتأهيلها لخوض التنافسية والحفاظ على الشغل الكريم وتوسيع فرصه للطاقات البشرية العاطلة فوق كل اعتبار.
ذلكم هو الاطار الاقتصادي والاجتماعي الأقوم الذي نريد من الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين أن يوظفوا فيه طاقاتهم الخلاقة لصالح تنمية هذا البلد الأمين.
فكونوا رعاكم الله خير جنود للاقلاع الاقتصادي والاستثمار المنتج للشغل متجاوزين بدوركم العوائق الذاتية للمقاولة المغربية بروح الوطنية والمبادرة والابتكار الأقدم والمغامرة ونكران الذات والتعبئة الشاملة.
وإدراكا من جلالتنا لجسامة المجهود الذي يتعين النهوض به في هذا المجال فاننا عازمون على اتخاد كل الاجراءات اللازمة لحفز الاستثمار ومصممون على مدكم بكل التشجيعات والحوافز الكفيلة بجعلكم تكسبون رهان التأهيل والتحديث والتنافسية وخلق ما يمكن من فرص الشغل لشبابنا الغالي.
وإننا اننتظر من المتدخلين أن يبرهنوا على نفس العزم للسير قدما داعمين الجهود التي توليها إياهم السلطات العمومية بمبادرات موازية من ذات الأهمية. فالمعركة في سبيل بناء مغرب قوي تتوقف على تشييد اقتصاد جديد ومتين وعصري متنوع النسيج وهي معركة موصولة الحلقات علينا خوضها بالتآزر والمتابرة في السعي وتحرير الطاقات والثقة في النفس والأمل في المستقبل.
والسلام عليكم ورحة الله ''.