خطب صاحب الجلالة

الرسالة الملكية إلى المشاركين في حفل إعطاء الانطلاقة لبرنامج حماية وتنمية واحة النخيل بمراكش

 

 

(تلتالرسالة صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء رئيسة مؤسسة محمد السادس لحمايةالبيئة)


"
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآلهوصحبه
صاحبة السمو الملكي

حضرات السيدات والسادة

يطيب لنا أن نتوجه إلىالمشاركين في حفل إعطاء الإنطلاقة، لبرنامج حماية وتنمية واحة النخيل في مراكش،باعتباره ورشا هاما، لحماية البيئة التي تندرج ضمن الإنشغالات الكبرى لجلالتنا،وتشكل أحد مكونات الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة.

وإذا كان العمل الذينقوم به اليوم يهم مدينة مراكش فقط، فإننا نتطلع إلى توسيع نطاقه ليشمل كافةالواحات المنتشرة عبر ربوع المملكة، وبلورته في إطار سياسة وطنية حقيقية تخضعلتشريع ملائم وأساليب تدبيرية أكثر نجاعة، مع الإستفادة مما يتيحه البحث العلمي فيهذا المجال.

إن الواحات المغربية، التي يعود أقدمها إلى أزيد من ألفي عام، تعد،بالفعل، فضاءات تخضل بالحياة وتنعم بالسكينة في قلب الصحراء.
فعلاوة على الدورالهام الذي لعبته هذه الواحات في بلادنا من الناحية الاقتصادية والاجتماعيةوالثقافية والسياسية، فإنها تكتسي أهمية حقيقية بالنسبة للأنشطة الفلاحيةوالسياحية، فضلا عن كونها تشكل تراثا زاخرا له أهميته من الناحية التاريخيةوالثقافية والبيئية، مما حدا باليونيسكو إلى إدراجه ضمن شبكة محميات المحيط الحيويعالميا.

 إن هذا التراث، مع الأسف، يتدهور باستمرار ويواجه تهديدا بالإنقراض بسببتضافر عوامل سلبية لها علاقة بالجفاف والتصحر وملوحة التربة وفقدان التنوع الحيوي،فضلا عن ضعف المردودية وقلة الاستغلال العقلاني لواحات النخيل.

وغالبا ما تضطرهذه الوضعية المزرية سكان الواحات إلى التخلي عن هذه الفضاءات الحيوية وسلوك طريقالهجرة، قاصدين وجهة أخرى بحثا عن موارد لحياة أفضل.

ومن هنا تبرز أهمية عملكمباعتباره سيمكنكم، لا محالة، من رسم الخطوط العريضة لاستراتيجية واضحة المعالم تتسمبالواقعية، وتندرج منطقيا في سياق التنمية المستدامة وذلك من خلال التدخل القائمعلى التشاور والتنسيق بهدف التعامل مع ما تنطوي عليه هذه المشكلة من تداعيات بيئيةواجتماعية واقتصادية.
ويكمن الهدف من وراء ذلك كله في النهوض بالواحات التي،علاوة على الدور الاجتماعي والاقتصادي الهام الذي تلعبه، تعتبر حاجزا بيئيا ينتصبللحيلوة دون تفاقم ظاهرة التصحر، ونموذجا لما ينبغي أن تكون عليه التنمية المستدامةللموارد الطبيعية، لاسيما منها الماء.

إن ما يبعث على عميق الارتياح ما أنجزتهمؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، بفضل الانخراط القوي لرئيستها صاحبة السمو الملكيالأميرة للاحسناء، وكذا بالتعاون المثمر من لدن عدد كبير من الفاعلين والجمعويين،في العديد من أعمال حماية البيئة، مثل برامج: "مدن مزهرة" و"شواطئ نظيفة" و"التربيةالبيئية" و"جودة الهواء". لذا، فإن المؤسسة مدعوة اليوم إلى تعبئة الفاعلينالوطنيين والإرادات الحسنة والمبادرات الجادة، من أجل تفعيل هذا البرنامج الطموح،الذي يتوخى العناية بالواحات وإعادة الحياة لها، من خلال العمل على حمايتهاوالاستفادة من منافعها الاقتصادية، فضلا عن تمكين سكانها المعنيين من جني العائداتالناتجة عنها، وبالتالي تحسين ظروفهم المعيشية.
صاحبة السمو الملكي،

حضراتالسيدات والسادة ،

إننا نثمن عاليا العملية الرامية إلى تنمية واحدة النخيل فيمراكش، هذه الدرة النفيسة التي لاجدال حول قيمتها النادرة، وما تكتسيه من أهميةخاصة في بلادنا. وعلى الرغم من أن نوعية النخيل الذي ينمو فيها، تعد من الأصنافالثانوية، فإنها تتميز بتنوعها الحيوي الزاخر بتعدد مكوناته المتباينة. وتتجلى أهمسماتها في كونها تشكل تراثا ثقافيا من الطراز الأول ،على غرار المباني والمآثرالتاريخية الزاخرة التي تتميز بها مدينة مراكش.

وتجدر الاشارة إلى أن هذا الموقعذا الدلالة الرمزية والبعد الاسطوري، الذي تستقي منه المدينة هويتها وطابعهاالمميز، يتعرض حاليا لمخاطر التلاشي بفعل تكالب الجفاف، وضغط الأنشطة البشرية،وغياب الرعاية والعناية، واصابة اشجار النخيل بالشيخوخة، وضعف عملياتالتشجير.

لذا يجب العمل على مواجهة هذا الوضع، من لدن مؤسستكم، بتنسيق مع كافةالهيئات والمنظمات المعنية، وذلك بتفعيل مشروع حماية وتنمية واحة النخيلبمراكش.
ويتعلق الأمر هنا بإنعاش هذا الفضاء البيئي والنهوض به من خلال إعادةتشجير الواحة وتحسين التقنيات الزراعية للتدبير والعناية بالنباتات والتربية،والتوعية بقضايا البيئة والتنمية المستدامة بانشاء متحف بيئي يتعين ادراجه في اطارشبكة دولية لتبادل المعلومات والتجارب حتى يتسنى اضفاء بعد دولي عليه.
كما ينبغيأن يخضع هذا البرنامج الدال والممتد على مراحل للمتابعة والتقييم بانتظام، مماسيتيح للمؤسسة، باعتبار الدور التحفيزي الذي تضطلع به في هذا الصدد، امكانية تدارسماتم احرازه من تقدم مع شركائها واعادة النظر في الاولويات المسطرة عند الضرورةورسم التوجيهات الملائمة للقيام باعمال أكثر تناسقا ونجاعة.

 ولدينا شعوربالارتياح لكون هذا المشروع الطموح قد حقق انخراط الادارات العمومية المعنية فيه،من خلال التوقيع على اتفاقية للشراكة مع المؤسسة بهدف القيام باعمال الصيانة واعادةالاعتبار والمراقبة، فضلا عن إشراك الفاعلين الاقتصاديين من أجل توعية السكانبضرورة المحافظة على هذا الموروث.
كما نلاحظ بارتياح ان السلطات العمومية قدشرعت فعلا بالقيام باعمال ملموسة بهدف تيسير انجاز المشروع الرامي الى حماية واحةالنخيل في مراكش. لذا ، فقد تم اعداد مشروع قانون خاص بحماية اشجار النخيل، وهويوجد الآن في طور المصادقة عليه من لدن البرلمان. وعلاوة على ذلك، تم تعزيزالتدابير ذات الصبغة العمرانية من اجل ضمان حماية افضل للواحة ، فيما قامت مديريةالجماعات المحلية بتعبئة الجزء الاول من الاعتمادات المرصودة لتمويل المشروع بهدفاعطاء الانطلاقة لبرنامج الغرس وإنجازه.

بيد أن السلطات العمومية، على الرغم ممالها من دور أساسي يبنغي ان تضطلع به في اطار التنمية المستدامة، لا يمكن لها أنتعمل بمفردها. لذا ، ينبغي العمل بقوة على تشجيع ودعم انخراط المجتمع المدنيوالمواطنين في هذا الورش.

وكونوا على يقين بأن مشروع اعادة احياء هذا التراثالطبيعي يحظى برعايتنا السامية، وأننا سنظل نوليه العناية اللازمة، بتشجيعكم علىالبقاء معبئين للتصدي لحالة التردي التي تتعرض لها واحتنا وكذا الحفاظ عليها واعادةالحياة لها والنهوض بها.

 والله تعالى أسأل أن يبارك أعمالكم ويعينكم على بلوغهذا المقصد النبيل خدمة للتنمية في بلادنا وسعيا الى تحقيق الازدهار لشعبناالعزيز".