
ما فتئت جائزة الحسن الثاني لفنون الفروسية التقليدية "التبوريدة" (بطولة المغرب لفنون الفروسية التقليدية) تترسخ، سنة بعد أخرى، بوصفها موعدا مهما لعشاق هذا الموروث الضارب بجذوره في عبق التاريخ، والذي يساهم بشكل كبير في حفظ هذا الجزء من الهوية الحضارية للمملكة.
ومن المنتظر أن تجري فعاليات الدورة الـ 24 من هذه المنافسة في الفترة ما بين 26 ماي الجاري وفاتح يونيو المقبل في دار السلام بالرباط، وذلك تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وستعرف هذه الدورة تنافس أفضل فرق الفروسية التقليدية (السربات) في المملكة لتحديد بطل المغرب 2025، حيث ستشارك 24 فرقة، من بينها 18 فرقة من فئة الكبار (أكثر من 17 سنة)، وست فرق من فئة الشبان (من 12 إلى 16 سنة).
وستقام المسابقة على مرحلتين: المرحلة التأهيلية التي تتنافس فيها الفرق للتأهل إلى النهائي من يوم الاثنين 26 ماي إلى الخميس 29 ماي الجاري، والمراحل النهائية يومي السبت 31 ماي والأحد 1 يونيو 2025.
وتشكل جائزة الحسن الثاني لـ "التبوريدة" فرصة لعشرات القبائل لخوض مواجهات فيما بينها تنتهي باختيار أفضل "سربة" لتمثيها خير تمثيل في هذا الموعد السنوي الذي يستقطب جمهورا عريضا من عشاق (التبوريدة) من مختلف الشرائح الاجتماعية.
وقد تزايد هذا الاهتمام في السنوات الأخيرة برياضة الفروسية التقليدية من خلال تنظيم مسابقات جهوية وبين الجهات، ووطنية سنويا لاختيار أحسن "السربات" وأحسن فارس وأحسن فرس وأحسن زي تقليدي، والتي ترصد للمشاركين فيها جوائز مالية لتشجيع الإقبال على ممارسة هذه الرياضة المتجذرة في الثقافة المغربية، والتي تشكل جزءا من أصالة المملكة وتاريخها التليد.
وسيتمكن الجمهور خلال هذه النسخة، ولأول مرة بالرباط، من حضور عروض الفروسية الدولية من تقديم الفنان الفرنسي الشهير، لورينزو، الذي سيقدم عروضه يومي السبت (31 ماي) والأحد (1 يونيو)، مما يضفي بعدا فنيا على هذه النسخة.
وذكر بلاغ للجامعة الملكية المغربية للفروسية أنه "بمبادرة من المغرب، وبفضل التعبئة الهامة للجهاز الدبلوماسي ومجموع الأطراف الفاعلة في قطاع الفرس بالمغرب، تم إدراج +التبوريدة+ رسميا ضمن قائمة التراث العالمي خلال الدورة الـ 16 لاجتماع اللجنة سالفة الذكر، في دجنبر 2021".
وتوحد هذه الفنون التقليدية، المتوارثة جيلا عن جيل، فئات مختلفة في أجواء احتفالية، وتسلط الأضواء على التنوع الذي تتسم به مختلف جهات المغرب من حيث الحرف التقليدية وفنون الفروسية.
ويتوفر المغرب حاليا على أكثر من 300 فرقة للفروسية التقليدية (التبوريدة)، منضوية تحت لواء الجامعة الملكية المغربية للفروسية، وعلى 5900 فرس مخصصة لفنون الفروسية التقليدية.
وتتضمن منافسات الفروسية التقليدية عروضا تقدمها السربات، التي تتشكل كل واحدة منها من 14 فارسا وفرسا إضافة إلى "المقدم"، وتكون في غاية الانضباط لتنفيذ "التبوريدة" بكل دقة، على أن يتكلف "المقدم"، الذي غالبا ما يكون أكبر الفرسان سنا، بمهمة تنظيم وتحفيز فرسانه.
ويستعرض "المقدم" أو "العلام" قبل كل انطلاقة (محاولة) فرسانه، ويشجعهم من خلال ترديد الأسماء. وبعد ذلك تدخل المجموعة إلى ساحة العرض وتبدأ بتحية الجمهور (الهدة أو التشويرة).
إثر ذلك، يعود الفرسان إلى نقطة الانطلاقة، حيث يصطفون في خط مستقيم في انتظار إشارة "المقدم"، لتنطلق الخيول في سباق بديع يبرهن خلاله الفرسان عما يتوفرون عليه من مهارات، سواء بالنسبة للسيطرة على خيولهم لإبقائها في الصف أو في ما يخص الحركات التي يؤدونها ببنادقهم، حيث يتعين على الفرسان الضغط على الزناد بمجرد ما أن يعطي "المقدم" الإشارة لذلك، لأن نجاح "التبوريدة" أو "الطلقة بالبارود" أو "التخريجة" رهين بأن تكون الطلقات في لحظة واحدة ومنسجمة.
ويتم تنقيط السربات وفق معايير يحددها الحكام التابعون للجامعة الملكية المغربية للفروسية. وتراعي الإنجازات التي يحققها فرسان "السربة" تحت قيادة "المقدم" والتعبير الحركي والتطابق الحركي الجماعي والسير بانضباط ووحدة حركة البنادق والطلقة الجماعية الموحدة ووحدة اللباس والسروج.
والقاعدة الأساسية في مجال التعبير، هي جودة الفرق المتبارية، كل حسب تقاليده وانتمائه لجهة أو ناحية، إذ يؤخذ بعين الاعتبار التنسيق بين فرسانها ودرجة التواصل والسيطرة على الجواد، بالإضافة إلى كيفية الركوب والهيأة العامة للفارس والجواد على حد سواء.
ويحرص الفرسان على ارتداء الزي التقليدي، الذي يتكون من "الجلابة" و"السلهام" و"العمامة" و"السروال الفضفاض"، ويتمنطقون بالخنجر "الكمية"، فيما ينتعلون نعلين من النوع العالي.
أما السلاح التقليدي لفنون الفروسية التقليدية فيتمثل في البندقية المعروفة بـ "المكحلة"، والتي تكون مرصعة بخطوط ونقوش متموجة، بينما تزين السروج، التي تعهد بها العشائر المشاركة في هذا العرس لصناع مهرة يبدعون في تزيينها برسومات ونقوش مستمدة من التراث المغربي الأصيل، صهوة الجياد.
(ومع: 26 ماي 2025)